nasr_php Admin
الْمَشِارَكِات : 1431 نقاط تمييز : 3786 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 12/06/2011 الْعُمْر : 29
| موضوع: احمد سحنون احد رواد الحركة الاصلاحيةفي الجزائر 27/6/2011, 01:50 | |
| انطفأت يوم الاثنين 08/12/2003م، شمعة الأديب الشاعر وأب الصحوة الإسلامية في الجزائر الشيخ أحمد سحنون بعد إصابته بجلطة في الدماغ صبيحة عيد الفطر المبارك، ورغم العناية الطبية والمعالجة المكثفة بمستشفى عين النعجة العسكري إلاّ أن حالته الصحية ازدادت تدهورا بسبب كبر سنّه وكثرة الأسقام التي صاحبته خلال السنوات الماضية، خاصة بعد محاولة الاغتيال الجبانة التي تعرض إليها بمسجد أسامة بن زيد سنة 1996.
وإن عرف الناس الشيخ أحمد سحنون كداعية وإمام خطيب، إلاّ أنهم شاعرا لم يعرفوه حساسا خاصة في قصائده الوجدانية. وإليه يعود الفضل في عودة الشاعر الكبير محمد العيد آل خليفة إلى الساحة الأدبية سنة 1947 بعد انقطاع عن قول الشعر، حيث استفزّه بقصيدة تساءل فيها عن أسباب سكوته ومطالبا إيّاه بالغناء من جديد، جاء فيه
شاعر الضاد والحِمى ما دهاكا فحرمت النهى ثمار نهاكا كنت كالطائر الصدوح فما تنفك يوما مردّدا نجواكا عد كما كنت شاديا فلماذا قد حرمت الأسماع سحر غناكا؟
والدارس لديوان الشاعر أحمد سحنون يلحظ أنه صورة صادقة لهواجس وآمال الشعب الجزائري في الحرية والانعتاق من الدخيل الأجنبي حيث تنبأ بإرهاصات الثورة الكبرى وعاش لها بقلبه ولسانه وقلمه، كما عانق في أشعاره هموم وتطلعات الأمة الإسلامية والعربية.
فلا تجد مناسبة أو ذكرى إلاّ وقد أرّخ لها شعرا على غرار شعراء الحركة الإصلاحية في الجزائر التي ينتسب إليها، وهي التي ساهمت في ربط الشعب بماضيه وتذكيره بأمجاده وإحياء تراثه، والمناسبة لا يحتفل بها الشاعر لذاتها بل للتذكير بما فيها من مواقف خالدة وما حفّها من دفاع عن الحق والفضيلة، ثم ليربط تلك المحطات التاريخية البطولية بالمواقف الحاضرة لعل جيل اليوم يجد فيها عبرة وحافزا على تجديد نشاطه وتمسّكه بدينه وثوابته الوطنية يقول:
أشعب الجزائر روحي الفدا لما فيك من عزّة عربية بنيت على الدين أركانها فكانت سلاما على البشرية خلدتم بها وبكم خلدت بهذي الديار على الأبدية فدوموا على العهد حتى الفنا وحتى تنالوا الحقوق السنية تنالونها بسواعدكم وإيمانكم والنفوس الأبية فضحّوا، وها أنا من بينكم بذاتي وروحي عليكم ضحية!
محطات من حياته
الشيخ أحمد سحنون بن سحنون من مواليد سنة 1907 بقرية ليشانه إحدى قرى الزاب الغربي من ولاية بسكرة، وهي تابعة حسب التقسيم الإداري إلى دائرة طولقة وتبعد عن مقر الولاية بحوالي 30 كلم. توفيت والدته وهو ما يزال بعد رضيعا، لتتركه تحت رعاية والده معلّم القرآن، وهو الذي درّس لابنه القرآن الكريم، فلم تمر عليه ثلاث عشرة سنة حتى استظهره كاملا، ولزم والده يعلم الأطفال الصغار في كتّاب بلدته، واستمر في ذلك إلى غاية رجوع الشيخ محمد خير الدين من جامع الزيتونة المعمور بتونس بعد تخرّجه، فتفرغ الشاب سحنون لتحصيل العلوم الشرعية ومبادئ اللغة العربية على يديه بقرية "فرفار" كما تلقى دروسا على عدد من شيوخ زاوية علي بن عمر بطولقة منهم: الشيخ محمد الدراجي، والشيخ عبد الله بن المبروك، وأعظم شيوخه كما كان يصرّح هو القرآن، بعد التقائه بالشيخ فرحات بن الدراجي ابن بلدته الذي جاء في زيارة إلى بسكرة، وكان معلما بمدرسة الشبيبة الإسلامية بالعاصمة اصطحبه معه للتدريس بها سنة 1936، وفي هذا المناخ الجديد توطّدت علاقاته مع أبرز رجالات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وكان نادي الترقي ملتقى اجتماعاتهم، بل اتصل بالشيخ عبد الحميد بن باديس الذي أمدّه بالنصائح والتوجيهات، ومنها حثّه على المطالعة، فدرس الكتب التراثية منها: كتاب الأمالي لأبي علي القالي، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والكامل للمبرد، كما قرأ جلّ كتب الجاحظ، وبشار بن برد وأبي نواس والمتنبي والبحتري، وكان معجبا بمصطفى صادق الرافعي والعقاد وأحمد حسن الزيات، وأحمد أمين وزكي مبارك.
في سنة 1947 اشترك في المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين وهو الذي كتب نشيدها الذي مطلعه:
يا بني شعب الأباة..للمعالي أنتم نسل (الأمازيغ) الكماة.. في النزال كلّ من ضحى بنفسه فمات.. لا يبالي
وفي أواخر شهر سبتمبر سنة 1947 عيّنته جمعية العلماء رسميا معلما بمدرسة التهذيب الحرة بسانت أوجان (بولوغين) ثم عين مديرا لها في سنة 1948، كما عينته الجمعية لإحياء ليالي رمضان المبارك بالوعظ والإرشاد سنة 1949، وبعد صدور جريدة "البصائر" في سلسلتها الثانية اختير في لجنة التحرير بمعية أحمد توفيق المدني وحمزة بوكوشة وباعزيز بن عمر الملقب بالفتى الزواوي، فكان ينشر المقالات الاجتماعية والأشعار والنقد، إذ نجد له مقالا نقديا لرواية خالد التي أخرجها محي الدين بشطارزي، وهي أول مسرحية له ونشر المقال بالعدد 17 الصادر في 29 ديسمبر 1947.
أمّا في المجال السياسي فقد وظّف الشاعر أحمد سحنون إمكاناته كإمام بمسجد بولوغين لحثّ الشباب على الاعتزاز بماضي الأمة والدعوة إلى حرية الوطن السليب، بل توصّل به حماسه إلى تكوين تنظيم فدائي سرّي في هذا المسجد سنة 1953 قبيل الثورة بقليل على غرار تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بمشاركة خالد بن يطو ومصطفى فتال ومحمد طويلبي، وحسب الدكتور أحمد زغينة في أطروحته الجامعية "شعر السجون في الجزائر" فقد استطاع مصطفى فتال لوحده أن يقوم بحوالي 145 عملية.
بعد اندلاع الثورة التحريرية الكبرى كان من الأوائل الذين ساندوها، ففي حديث له نشر بجريدة "الحقيقة" العدد03 الصادر في 29/12/1993 يقول عن علاقة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالثورة:" لولا جمعية العلماء لما كانت الثورة، فهي التي كانت تشكل المرحلة الإعدادية لها، حزب الشعب مثلا كان يبحث عن الغاية فقط دون السؤال عن الوسيلة، في حين أن الجمعية كانت تتخذ الوسيلة للوصول إلى الهدف" وبسبب نشاطه السياسي في توعية الجماهير تعرض إلى مضايقات من طرف المخابرات الفرنسية، وهُدّد بالقتل.
في 24 ماي 1956ألقت عليه السلطات الفرنسية القبض مع مجموعة من المفكرين والمصلحين، واعتقل بسجن (البرواقية) ومنه نقل إلى معتقل (بوسوي) معتقل(سان لوي) بالغرب الجزائري، ورغم وجوده وراء القضبان إلاّ أن هذه المرحلة كانت من أزهى وأخصب أيّامه الشعرية، ففي معتقل (بوسوي) كوّن مع نخبة من الأدباء والمثقفين ندوة أدبية بهدف اكتشاف المواهب وتشجيعها والتنفيس عن مشاعرهم الدفينة، ومن الأسماء البارزة المشاركة في الندوة، أحمد عروة، عمر شكيري، خالد بن يطو، محمد الطاهر الأطرش، أحمد شقار الثعالبي والملحن هارون الرشيد.
وبعد الإفراج عنه سنة 1959 خيّره الاستعمار بين التعامل معه أو الإعدام، غير أن جبهة التحرير الوطني قامت بتهريبه إلى مدينة باتنة ومنها إلى مدينة سطيف التي بقي فيها إلى غاية الاستقلال.
بعد استرجاع السيادة الوطنية عيّن إماما بالمسجد الكبير بالعاصمة، وعضوا في المجلس الإسلامي الأعلى إلى غاية سنة 1968 في هذه المرحلة عُرف بالجهر في قول كلمة الحق، ومحاربة الظواهر الاجتماعية المنحرفة، وانضمّ إلى جمعية "القيم" التي أسّسها الدكتور الهاشمي التيجاني في 19/12/1963 والتي تعتبر امتدادا لمبادئ ونهج جمعية العلماء، بعد عزله من الوظيفة الرسمية واستقالته من عضوية المجلس الإسلامي الأعلى اتجه إلى مجال الدعوة والإرشاد في المساجد الحرة بالعاصمة، كمسجد دار الأرقم بحي شوفالي رفقة زميله الشيخ عبد اللطيف سلطاني.
وبعد الانفتاح السياسي في الجزائر، ونظرا للسمعة الطيبة التي يحظى بها ومجهوداته في زرع البذور الأولى للصحوة الإسلامية في الجزائر بعد الاستقلال ولتوحيد الصف الإسلامي، ترأس رابطة الدعوة الإسلامية التي تأسست في شهر أكتوبر سنة 1989، وهي تضمّ دعاة وعلماء من الجزائر، وجاءت لترشيد العمل السياسي في وسائله وغاياته وحراسته من الانحراف، ومن أهدافها تأصيل الثقافة ونشرها وتوظيفها وإعادة الفاعلية لها من أجل النهوض المادي والأدبي للأمة كما صرّح بذلك إلى جريدة-المساء- بتاريخ 02/04/1989.
وخلال المحنة الدموية التي عصفت ببلادنا تعرّض الشيخ أحمد سحنون إلى محاولة اغتيال أثناء صلاة الفجر بمسجد أسامة بن زيد، وبعد نجاته منها في سنة 1996 لزم بيته، وفضّل الجلوس إلى كتبه، إذ كان يملك مكتبة زاخرة تضم أمّهات الكتب العربية قديمها وحديثها. | |
|