nasr_php Admin
الْمَشِارَكِات : 1431 نقاط تمييز : 3786 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 12/06/2011 الْعُمْر : 29
| موضوع: الوصية الأخيرة للمناضل من أجل الحقوق و الحريات فرحات عباس”غدا يطلع النهار”* 27/6/2011, 01:19 | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بقلم: أ. فارس بوحجيلة* عن “منشورات الجزائر-كتب” صدر لأول مرة شهر نوفمبر الماضي كتاب “غدا يطلع النهار” باللغة الفرنسية لرئيس أول حكومة جزائرية مؤقتة ورئيس أول مجلس تأسيسي جزائري بعد الاستقلال المناضل المرحوم فرحات عباس (1899-1985)، الكتاب ألفه في نهاية السبعينيات ووضعه في صورته النهائية أشهرا قبل وفاته، لكن المخطوط ظل حبيس الأدراج إلى أن رأى نجله أن الوقت مناسب لنشره وإخراجه . تناول سيرة فرحات عباس ليس بالشيء اليسير، فالرجل لا نكاد نعلم عنه شيئا فيما يتعلق بمساره بعد الاستقلال باستثناء بعض الصور الباهتة عن بعض المحطات، الكثيرون اليوم يظنون أن توفي في ستينيات القرن الماضي، إلا أن كتابه هذا يجعلنا نلتفت له ونعيد النظر في الصورة التي أصبحت لصيقة بأذهاننا عن هذا الرجل، إذ ليس من السّهل تجاوز الصورة الصّادمة التي رسمتها مقرّرات التاريخ المدرسي في أذهان غالبية شبابنا، ففي إحدى دروس التاريخ للأقسام النهائية يُصدم المتلقّي بفقرة مقتطعة من مقال فرحات عبّاس “فرنسا هي أنا” المنشور سنة 1936، الذي ينفي فيه وجود الأمّة الجزائرية!! لكن نفس المقررات أو غيرها لم تقتطع ولم تشر إلى الفقرة التي ختم بها رسالة استقالته من رئاسة المجلس الوطني التأسيس بتاريخ 12 أوت 1963: “منذ الاستقلال لم يستشر الشعب بصفة حرة ولو مرة واحدة. وقد حان الوقت لإشراكه في الحياة السياسية. كما حان الوقت ليسترجع حماسه وثقته. وهذا الشعب يجيد التصويت. وقد برهن على ذلك بعظمة. وعرف بصفة خاصة، كيف يقاوم، خلال سبع سنوات، أحد أكبر الجيوش في العالم. واكتسب بفضل بطولته حق اختيار ممثليه وحق اختيار الحكومة التي يريدها. فعلينا أن نثق به. وحتى ولو أخطأ، فإن هذا الغلط يكون انعكاسه أقل خطرا من أن يكمّم أو يفرض عليه لباس المجانين. فهو يستحق التقدير بدلا من هذه الإهانة الكبرى”(1) الاستقالة أغفلت، كما أغفل مصيره بعد رئاسته لأول مجلس وطني تأسيسي جزائري. الرجل بالنسبة للكثيرين هو ذلك الاندماجي الذي اقتنع متأخرا بعدم جدوى ما كان يقوم به، رئيس أول حكومة جزائرية مؤقتة يلفّها الكثير من الجدل يقدّم تأسيسها كأول انقلاب على الهياكل الشرعية التي أفرزها مؤتمر الصومام، كما لا يشار إلى ما كتبه باستثناء “الشاب الجزائري” المنشور أول مرة سنة 1931 والذي أعيد نشره بعد ثلاثين سنة متبوعا بالتقرير المرفوع إلى الماريشال “بيتان”، كذلك “ليل الاستعمار” المنشور سنة 1962 الذي لقي انتشارا واسعا، أما “تشريح حرب” –وليس ثورة؟- المنشور سنة 1980 فلا تتم الإشارة إليه إلا لتغذية هذا الطرح أو ذلك في إطار جدل تاريخي غارق في مستنقع التسييس والتوظيف الظرفي. “الاستقلال المصادر” المنشور سنة قبل رحيله وهي السنة نفسها التي تم تكريمه فيها مع ردّ بعض الاعتبار له من طرف الرئيس السابق الشاذلي بن جديد في إطار مصالحته التاريخية عشية الذكرى الثلاثين لاندلاع الثورة التحريرية، هذا الكتاب نشر كسابقه في فرنسا وكان يعد الوصية الأخيرة له قبل صدور “غدا يطلع النهار” الذي تضمن آراءه ومواقفه ممن وضعوا أرجلهم على رقبة جزائر ما بعد الاستقلال. حتى ذلك الانفتاح والعودة لبعض المسكوت عنه من أحداث الثورة التحريرية فيما يشبه صحوة تاريخية مع نهاية التسعينيات جاء على حساب الرجل، فالحديث عنه اقتصر على التحاقه متأخرا بالثورة بعد سعي حثيث وضمه من قبل عبان رمضان إلى تشكيلة أول مجلس وطني للثورة الجزائرية في مؤتمر الصومام، عضويته للجنة التنسيق والتنفيذ فيما بعد وتحالفه مع الباءات الثلاثة لبسط سيطرتهم على قيادة الثورة وتعيينه على رأس أول حكومة جزائرية مؤقتة، كذلك دوره فيما يعرف بمحاولة إيجاد حل وسط بين المعمرين والثوار. تنحيته من على رأس الحكومة المؤقتة واستخلافه بـبن يوسف بن خدة، أي أن تاريخ الرجل وظف منه ما يحسب عليه فقط!! لست هنا لأسوق تبريرا لمسيرة الرجل أو لإصدار حكم عليه، بل لأتساءل عن التعتيم المفروض على مساره بعد الاستقلال. فالرجل كما لا يعلم الكثيرون، عاش قرابة الربع قرن في جزائر الاستقلال –الفترة بين 1962 و1985- ولعل الكثيرين يصيبهم الذهول لمعرفة ذلك، لأنه عدّ من بين الموتى مثله مثل الكثير من الأسماء المنسيّة التي كانت تؤرق نظاما تأسره عقدة “خروجه من التاريخ”. الرسالة أو الوصية الأخيرة لفرحات عباس خطّها تحت الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الرئيس هواري بومدين سنة 1976 جاءت في نفس سياق “الاستقلال المصادر” وكذلك رسالة استقالته من على رأس المجلس التأسيس، والأهم أنه أعلن من خلالها مواقفه النهائية من كثير من المسائل والخيارات، كذلك صورته للجزائر كيف يجب أن تكون: “الدولة الجمهورية التي تحترم الحقوق والحريات” التي تعيدنا إلى “البيان” الذي هو في الأصل تقرير عام يحمل عنوان: “جزائر الغد”، وجهه سنة 1941 إلى الماريشال بيتان تناول من خلاله الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للجزائر، كما تضمن كذلك وهو الأهم البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي. في الذكرى العاشرة لانقلاب 19 جوان 1965 قرر الرئيس هواري بومدين وضع “ميثاق وطني” و”دستور” تتبعه انتخابات رئاسية، الغرض منها بطبيعة الحال خلق أطر شرعية لنظام عاش خارجها لعقد من الزمن. كما يرى فرحات عبّاس فإن نظام هواري بومدين ظن أن الشعب سينقاد طوعا في هذه المرة إلى القبول بالقبضة الحديدية تحت تأثير وسائل الإعلام الخاضعة لسلطة الحزب الواحد، لكن حدث العكس، فمع بداية سنة 1976 تم نشر مشروع “الميثاق الوطني” وتقرر فتح نقاش مفتوح حوله، وهو الأمر الذي أعاده للواجهة رفقة بن يوسف بن خدة وحسين لحول والشيخ خير الدين بما ترمز له هذه الأسماء من مرجعيات تاريخية وطنية، وأصدروا “نداءا إلى الشعب الجزائري” مما ورد فيه: “…، الدولة الجزائرية غير موجودة. يجب تأسيسها. الجزائر ليس لها دستور، ولا قانون، إنها تعيش في الظرفية… انقلاب 19 جوان لم يسو أي شيء… إنه سوقنا نحو إيديولوجية غريبة عن القيم الأخلاقية والروحية للإسلام..” نتيجة لذلك وفي صبيحة 10 مارس1976 اقتحمت الشرطة منزل فرحات عباس حيث وضع تحت الإقامة الجبرية، كما تم تأميم صيدليته إضافة إلى تجميد حسابه البنكي، قطع عنه الهاتف وسحب منه جواز السفر. بتاريخ 13 جوان 1977 تم رفع الإقامة الجبرية عنه لكن لم يتم إعادة جواز سفره وبالتالي لم يسمح له بالسفر إلا يوما واحد بعد وفاة الرئيس هواري بومدين. أثناء مدة الإقامة الجبرية عاد الرجل مرة أخرى للكتابة من خلال كتابيه المذكورين سابقا وكذلك من خلال هذا الكتاب الذي اختاره أن يكون خاتمة مساره النضالي. ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها للاعتقال والمضايقات فقد سبقتها فترة اعتقال دامت عشرة أشهر في ظل حكم الرئيس بن بلة. حيث تمت محاولة اعتقاله بتاريخ: 3 يوليو 1964 لكنه رفض الانصياع لأوامر الشرطة بسبب غياب مذكرة توقيف، ليوضع منزله تحت المراقبة إلى غاية 19 أوت حيث تم اعتقاله في سرّيّة، كان برفقته أثناء الاعتقال كل من عبد الرحمن فارس، بن تومي وزير العدل السابق، والرائد عز الدين إضافة لبعض النواب. بتاريخ 31 أكتوبر تم نقله إلى بشار برفقة بن تومي ومزهودي وأوصديق. بعدها نقل إلى أدرار برفقة بن تومي. الوصيّة الأخيرة التي تركها دون عنوان، والمنشورة بعد ربع قرن من رحيله بعد أن اختير لها كعنوان العبارة التي ختم بها: “غدا يطلع النهار”. يعود في مقدمتها المؤرخة في مارس 1985 أي شهورا قبل رحيله إلى تاريخ عائلته وتاريخ المنطقة التي ينتمي إليها بعد دخول الاحتلال الفرنسي، يحكي عن معاناة والده وأعمامه بعد طردهم من أرضهم كبقية سكان المنطقة المعتمدين على الفلاحة ليعودوا إلى أراضيهم عمالا بأجر زهيد وتحسن أوضاع عائلته فيما بعد. يتناول أيضا خطواته الأولى في المدرسة القرآنية، والتحاقه بالمدرسة الفرنسية المخصصة للأهالي وزيف التاريخ المدرسي الذي كان يلقن لهم. يتوقف عند السلوك الإسلامي في تبجيل المعلم الذي جعله يكن الاحترام لأساتذته الفرنسيين. لم يخف ذلك الارتباط بفرنسا، ففي فرنسا هو لا يحس بالغربة والهجرة الشمال إفريقية نحو الضفة الأخرى بالنسبة له هي ردة فعل اتجاه الاحتلال الأوروبي، لكنه يصر على أنه في الجزائر فقط يريد أن يحيا وأنها البلد الذين يريد فيه تمضية آخر أيام حياته. يعود أيضا إلى سطيف حيث استقر كصيدلي وإلى بداية تاريخه النضالي في الدفاع عن شعب فقير أمي أعزل ويعترف بصعوبة المهمة مشيرا إلى الصعوبات والمضايقات التي واجهها، كما لا يخفي خيبة أمله بعد الاستقلال فـ “الجمهورية الجزائرية” ألحقت بها عبارة “الديمقراطية الشعبية” والذي يعني بوضوح بالنسبة له أنها “لا ديمقراطية ولا شعبية”!! يشير إلى الدكتاتوريتين التي حكمتا الجزائر: دكتاتورية بن بلة وبعدها بومدين، فبن بلة بالنسبة له هو نموذج عن فيدال كاسترو بنظامه الشمولي، سلطته الشخصية وإيديولوجيته الشيوعية، الجزائر عاشت في ظله حالة من الانحلال والفوضى. بالنسبة له بومدين وجد الفرصة لإنهاء ما تبقى من “الجزائر المسلمة”، حيث أجهز على الفلاحة من خلال ما يسمى بـ”الثورة الزراعية” وأجبر الفلاحين على ترك الأرض والزحف نحو المدن لكسب عيشهم بفضل ما يسمى بالصناعة “التصنيعية” ، كذلك ممارسة التجارة صارت حكرا على بعض المقربين من النظام، فكل ما يدفع نحو الثورة تم تخريبه من احترام لحقوق الإنسان، الحريات الشخصية وكرامة المواطن، عودة الفلاح إلى الأرض، واحترام الملكية الفردية. البلد وضع في حالة الانتظار والظرفية، الجميع ينتظر “البترودولار”. حالة الإرهاب السياسي التي عمت البلد، والتي لا تتوانى عن القتل والعقاب ساقت البلد في طريق شبيه بما يعيشه لبنان. إذ يرى بأن العنف الذي صار رد فعل اليائسين جاء نتاجا للنزعة الشخصية والتسابق نحو السلطة التي يراد فرضها بالقوة، لذلك نجده ينذر بخطورة الوضع ويرى بأن الجميع معني بهذه المأساة، ويتساءل في خاتم مقدمته عن مصيرنا وما أعددناه لدخول في الألفية الجديدة؟ في الفصل الأول من الكتاب الوصيّة: “إقامة دولة ديمقراطية” عن طريق دستور يضمن حرية وأمن المواطنين وقوانين متساوية للجميع، يعود لاستقراء التاريخ والبحث عن مقومات الدولة إذ لا يرى الجزائر خارج النطاق الشمال إفريقي، فهو يصر على أن التاريخ المشترك والإسلام هما ما يضمنان وحدة المغرب “العربي-البربري”. لذلك يرد على تبني النهج الاشتراكي بالدعوة للعودة إلى القيم الحضارية والروحية للإسلام عن طريق الانفتاح على الغرب من خلال الثقافة العلمية واحترام الحريات الأساسية للإنسان التي ستقود إلى “ثورة مسلمة” شبيهة بالثورة الفرنسية. لأنه يؤكد على مثالية القيم الاجتماعية والسياسية والروحية للإسلام، لكن المشكلة في تطبيقها من قبل الناس، فهو يرى عدم صلاحية كلا من الاشتراكية والرأسمالية ويدعو للبحث عن نظام يوازن بين رأس المال والعمل. يعود بذاكرته ردا على الرئيس بن بلة صاحب “الزأرة” الشهيرة: “نحن عرب، نحن عرب،…”، إلى سنة 1922 في لقاء بأحد الرعاة في نواحي جيجل سئل إن كان عربيا أو قبائليا والذي كان رده بعفوية “أنا مسلم”، لأن فرحات عباس يرى بأنه إذا كانت كوبا ماركسية فالجزائر مسلمة. الطريق خطها بيان أول نوفمبر ووثيقة الصومام وليس الميثاق الوطني الذي عاد من خلاله شيوعيو الجزائر، فجبهة التحرير بالنسبة له انتهت في يوليو 1962 وأن جبهة التحرير التي عاصرها ليست سوى جهازا برأسين. في هذا الفصل يلفتنا رده على من يأخذون عليه ماضيه السياسي قبل الثورة حيث أورد رده على الرئيس بن بلة في أوت 1963 الذي لمح إلى هذا الماضي، بأنه ليس من جيله حتى يحاسبه أو يحكم عليه، فبن بلة لم يكن قد ولد بعد حين كان فرحات عباس إلى جانب الأمير خالد!! الفصل الثاني “من أجل جزائر جمهورية” ضمنه برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي للجزائر شبيه بتقريره “جزائر الغد” أراده بديلا للميثاق الوطني الصادر سنة 1976، تناول من خلاله نظرته إلى “الجزائر الجمهورية” كيف يجب أن تكون، هذا البرنامج يحتاج إلى دراسة وتحليل عميقين. الفصل الثالث “العلاقات الخارجية للجزائر” دبلوماسية وحرية، خصصه لدراسة ووضع إستراتيجية جديدة لعلاقات الجزائر بمحيطيها الإقليمي والدولي، وهو كذلك يحتاج لنظرة متأنية نتيجة للنظرة الاستشرافية الموسعة لصاحبه. الفصلين الرابع والخامس يعود من خلالهما للبحث عن المقومات والسبل اللازمة للتغيير واستخلاصها من خلال استقراء التاريخ، كما يحذر من تأزم الوضع وخطورته ويتنبأ بالكارثة التي ستحل. يكون رجل الحقوق والحريات قرر العودة إلى نهجه القديم في الدفاع عن الحقوق والحريات مع اختلاف الخصم في هذه المرة، وفارق آخر هو أن خصم الأمس كان يحترم الرجل. الوصية الكتاب يحتاج إلى عودة وعناية، كما نأمل أن ينقل إلى العربية ليكون في متناول الجيل الجديد فهو دون شك سيدفعهم إلى العودة لتقييم تصوراتهم عن الرجل وعن كثير من المحطات في تاريخ الجزائر المستقلة. أجدني أختم هذه السطور بالتساؤل عن سر اختيار هذا التوقيت بالضبط لنشر الكتاب، فالرجل كان قد أوصى بحسب نجله بألا ينشر إلا في حال قيام نظام ديمقراطي فعلي في الجزائر، وحين تسترجع كلمة “حرية” معناها، فهل يا ترى تحقق ما أراده الرجل؟. ************
**فارس بوحجيلة: كاتب مهتم بالتاريخ . قسنطينة في 4 ديسمبر2010 (*) Ferhat Abbas, DEMAIN SE LEVERA LE JOUR, Ouvrage inédit, publié à titre posthume, Alger-Livre Editions, Alger 2010. (1) رسالة الاستقالة وردت في الملحق الثالث من كتابه “الاستقلال المصادر- L’indépendance Confisquée” صدر سنة 1984 بفرنسا ولم يسمح بنشره في الجزائر. (2) Benjamin Stora, Zakya Daoud, FERHAT ABBAS, une autre Algérie, Casbah Editions, Alger 1995. —————-[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] | |
|