[justify]أرجع العلماء حدوث بعض التغيرات البدنية على الإنسان الحديث إلى امتهان الزراعة منذ حوالي 10 آلاف عام، حيث توصل باحثون إلى حدوث تقلص في حجم الدماغ، إضافة إلى تقلص الجسم بشكل عام بنسبة 10% مقارنة بجسم الأجداد الذين عاشوا على الصيد. وتتناقض هذه النتائج مع الاعتقاد السائد بأن حجم البشر يزداد تدريجيًّا ، فقد بينت الأبحاث تقلص طول الإنسان الحديث منذ ظهور الزراعة التي تعتبر أعظم تغير في نمط الحياة البشرية على مر التاريخ. وينظر البعض إلى هذه النتائج على اعتبارها لغزًا محيرًا، لأن تقلص حجم الإنسان قد يحدث بسبب سوء أو نقص الغذاء على الرغم من أن الزراعة أمنت الغذاء بوفرة. وترى عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة إيموري في مدينة أتلاتنا بولاية جورجيا الأميركية، أماندا موميرت، أنه يمكن الربط ما بين التقلص في طول الإنسان وبين نقص تناول الإنسان لبعض أنواع الغذاء.
فعلى الرغم من تناول كمية وافرة من السعرات الحرارية فقد تقلصت كمية الفيتامينات والمعادن الضرورية للنمو. ومن أمثلة ذلك التغيير في الصين، حيث اعتمد المزارعون منذ وقت مبكر على الحبوب مثل الذرة والقمح والأرز، وتضاءل الاهتمام بالأغذية التي تحتوي على ناياسين، فيتامين بي 3، والتي تعتبر مهمة جدًّا للنمو.
وترى مديرة مركز ليفير هولم لدراسة تطور الإنسان في جامعة كامبريدج دكتوره مارتا لاهر، في دراسة قامت بها، أن أحدث حفرية لإنسان تعود إلى 200 ألف سنة ماضية، وعثر عليها في أثيوبيا، وكان الإنسان لا يزال طويلا وذا عضلات قوية، وتشبه جمجمته جمجمة الإنسان الحديث ولكنها كانت أكبر وأكثر قوة. وعلى الرغم من أن حفريات الإنسان لم تكن مكتملة في آخر 190 ألف سنة، فإنها تظهر أن الإنسان كان لا يزال قويًّا وطويلا حتى مع ظهور التحضر الإنساني، والذي ظهر في الأدوات والأسلحة بل وحتى الآلات الموسيقية، واستمر هذا الحجم حتى آخر10 آلاف سنة، وقت ظهور الزراعة، حيث بدأ تقلص حجم دماغ وجسم الإنسان.
ولكن توجد دراسات أخرى لا ترجع السبب في تقلص حجم الإنسان للزراعة مثل بروفيسور كريس سترينغير أستاذ الأصول البشرية في متحف التاريخ الطبيعي في لندن، الذي يعترف بأن الإنسان قديمًا كان أقوى وأضخم من الإنسان الحديث، لكنه يرى أن السبب في ذلك يرجع إلى حاجة الإنسان القديم إلى هذه القوة وهذا الحجم، ولكن مع تغير نمط الحياة الذي أصبح أكثر استقرارًا. فلم يعد الإنسان بحاجة إلى عضلات قوية أو حجم ضخم.
ولكن حتى لو أرجعنا السبب في تقلص حجم جسم الإنسان إلى الزراعة أو الاستقرار وعدم حاجته لهذا الحجم وللقوة، فكيف يمكننا حل لغز تقلص حجم مخ الإنسان.
وتعتقد مارتا أن جزءًا من الإجابة على هذا اللغز تكمن في تحسين الكفاءة، فالمخ هو المسؤول عن العديد من الوظائف البشرية، ويمكن مقارنة المخ بوسائل التكنولوجيا التي تتقلص في حجمها وتزداد كفاءتها في الوقت نفسه، فمن الممكن أن نمتلك أدمغة أقل حجمًا من تلك التي امتلكها أجدادنا ولكن هذا لا يعني أننا أقل ذكاء منهم.